أسس النظام الاقتصادي الدولي الراهن
عند تأمل التطورات التي حصلت في الاقتصاد العالمي خلال الفترة بعد الحرب العالمية الثانية، يمكن الوقوف عند المؤشرات التالية التي تشكل الأسس الرئيسية للنظام الاقتصادي الدولي الراهن.
1 -فقد ظهر النظام الاشتراكي الدولي، على اثر تحرر بعض دول أوروبا الغربية من النازية وتطبيقها النظام الاشتراكي، إذ شكلت هذه الدول مع الاتحاد السوفيتي نظاما دوليا جديدا، أصبح يعتمد على أسس جديدة في العلاقات الاقتصادية الدولية تنطلق من مضمون وأهداف النظام الاشتراكي، وأصبحت هذه الدول تحشد كافة إمكانياتها الداخلية والخارجية من أجل توطيد النظام الاشتراكي، وتوسيع جوانب التعاون الاقتصادي فيما بينها، ولهذا ظهرت منظمة المعونة الاقتصادية المتبادلة- سيف- من أجل تحقيق التكامل الاقتصادي فيما بين هذه الدول، وقد وفقت هذه المجموعة من الدول خلال الفترة بعد الخمسينات في معالجة مشاكلها الاقتصادية وتحقيق إنجازات رائعة في مجال التنمية الاقتصادية جعلتها تحتل نسبة 40 %من الناتج الصناعي العالمي، ومع أنها قد لعبت دورا حيويا في دعم حركات التحرر الوطني والقومي في الدول النامية، لكنها على أية حال انسلخت من النظام الاقتصادي الدولي الرأسمالي وأصبحت توجه جل اهتمامها نحو توسيع مجالات التعاون فيما بينها.
طالع أيضا السياسة الاقتصادية الجديدة
2 -وعلى الطرف الثاني فقد أسفرت السنوات اللاحقة للحرب العالمية الثانية عن تمتع الدول الرأسمالية الصناعية بمزايا اقتصادية منقطعة النظير، ساعدتها على معالجة مشاكلها الاقتصادية وتحقيق النمو الاقتصادي السريع، ولعل في مقدمة العوامل التي ساعدت الدول الرأسمالية الصناعية على اغتنام الفرصة وتحقيق الازدهار الاقتصادي طوال فترة الخمسينات والستينات، هي تلك
الأسس التي استقر عليها النظام الاقتصادي العالمي الرأسمالي خلال تلك المرحلة، فقد تميزت القواعد التي وضعها مؤتمر برتن وودز عام 1944 ،والأسس التي استقرت عليها الاتفاقية العامة للتعريفات الكمركية والتجارة “الجات”، عن فرض آلية السوق في إطار النظام الاقتصادي الدولي الرأسمالي بكامله.
وقد لعبت هذه الأسس بطبيعة الحال دورا في تحقيق الأرباح الخيالية للشركات الاحتكارية الرأسمالية الكبرى بحكم ما كانت تتيحه من فرص الحصول على المواد الأولية بأسعار رخيصة من أسواق الدول النامية مقابل بيع منتجاتها المصنوعة لقاء الأسعار المرتفعة، وقد ساعدت التكتلات الاقتصادية الرأسمالية مثل السوق الأوروبية المشتركة، والمنطقة الحرة للتجارة الأوروبية، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على تعميق هذا الاتجاه إذ أن هذه التكتلات أصبحت تحشد إمكانيات الدول الرأسمالية المتطورة حسب ما تقتضيه مصالحها الاقتصادية، وبالإضافة إلى ذلك فقد أسفر التقدم التكنولوجي الذي حصل في هذه الدول عن اختراع مواد اصطناعية رخيصة الثمن ساعدت على استغنائها عن استيراد الكثير من المواد الأولية الكلاسيكية كما أسفر عن تطور سريع في الإنتاجية الزراعية حتى أصبح جزء كبير من احتياجاتها للمنتجات الزراعية يسد عن طريق إنتاجها الداخلي.
3 -أما الدول النامية فقد أصبحت هي الضحية لكافة هذه المؤشرات التي استقر عليها النظام الاقتصادي الدولي الراهن، وقد أسفر تطبيق سياسة الباب المفتوح عن اتساع مجالات النهب والاستغلال التي كانت تمارسها الاحتكارات الكبرى في هذه الدول، وإعاقة كافة المحاولات التي تبذلها في سبيل القضاء على التخلف والتبعية.
ولعل هذا السبب هو الذي دفع حركات التحرر الوطني والقومي خطوات متقدمة إلى الأمام خلال الفترة بعد الخمسينات، وما أن حلت الستينات حتى حصلت غالبية هذه الدول على تحررها السياسي وأصبحت تكافح من أجل نيل تحررها الاقتصادي.
انهيار النظام الاقتصادي العالمي
لقد شهد الاقتصاد العالمي الرأسمالي خلال فترة ما بعد الستينات وبخاصة خلال السنوات القليلة الماضية، الكثير من
الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المستعصية، التي أصبحت تشكل تهديدا خطيرا لمستقبل البشرية والاقتصاد العالمي
على حد سواء.